بسم الله الرحمن الرحيم
عندما تمكن عمرو بن ود العامري الملقب ب(فارس الجزيرة) والذي كان يعد بألف فارس ,راح يصول ويجول، ويتوعّد ويتفاخر ببطولته، وينادي: هل من مبارز؟ فلم يجبه أحد، حتّى قال:
ولقد بححت من النداء ** بجمعكم هل من مبارز
ووقفت إذ جبن الشجاع ** بموقف البطل المناجز
إنّي كذلك لم أزل ** متسرّعاً نحو الهزاهز
إنّ الشجاعة والسماحة ** في الفتى خير الغرائز
فقام الإمام علي(عليه السلام) وقال: «أنا له يا رسول الله»!
فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله): «اجلس، إنّه عمرو».
فقال الإمام علي(عليه السلام): «وإن كان عمرواً».
فعند ذلك أذن(صلى الله عليه وآله) له، وأعطاه سيفه ذا الفقار، وألبسه درعه، وعمّمه بعمامته.
ثمّ قال(صلى الله عليه وآله): «إلهي أخذت عبيدة منّي يوم بدر، وحمزة يوم أُحد، وهذا أخي وابن عمّي، فلا تَذَرني فرداً وأنت خير الوارثين».
وقال(صلى الله عليه وآله) أيضاً: «برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه»(5).
ومضى الإمام علي(عليه السلام) إلى الميدان، وهو يقول:
لا تعجلنّ فقد أتاك ** مجيب صوتك غير عاجز
ذو نية وبصيرة ** والصبر منجي كلّ فائز
إنّي لأرجو أن أقيم ** عليك نائحة الجنائز
من ضربةٍ نجلاء يبقى ** ذكرها عند الهزاهز(6).
فتقدّم(عليه السلام) وكلّه ثقة بالله ونصره له، وخاطب ابن عبد ودٍّ بقوله: «يا عمرو، إنّك كنت تقول: لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلّا قبلتها».
قال عمرو: أجل.
فقال الإمام علي(عليه السلام): «فانّي أدعوك أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمّداً رسول الله، وتسلّم لربّ العالمين».
فقال: يابن أخي، أخّر عنّي هذه.
فقال له: «أما أنّها خير لك لو أخذتها».
ثمّ قال(عليه السلام): «وأُخرى ترجع إلى بلادك، فإن يك محمّد صادقاً كنت أسعد الناس به، وإن يك كاذباً كان الذي تريد».
قال: هذا ما لا تتحدّث به نساء قريش أبداً.
ثمّ قال(عليه السلام): «فالثالثة، أدعوكَ إلى البراز».
فقال عمرو: إنّ هذه الخصلة ما كنت أظنّ أنّ أحداً من العرب يرومني عليها، ولم يابن أخي؟ إنّي لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك، وقد كان أبوك لي نديماً.
فردّ الإمام علي(عليه السلام) عليه قائلاً: «لكنِّي والله أُحبّ أن أقتلكَ».
فغضب عمرو، فقال له علي(عليه السلام): «كيف أقاتلك وأنت فارس، ولكن انزل معي».
فاقتحم عن فرسه فعقره، وسل سيفه كأنّه شعلة نار، وأقبل على الإمام علي(عليه السلام)، فصدّه برباطة جأش، وأرداه قتيلاً، فعلا التكبير والتهليل في صفوف المسلمين.
ولمّا قتل علي بن أبي طالب(عليه السلام) عمرواً أقبل نحو رسول الله(صلى الله عليه وآله) ووجهه يتهلّل، فقال له عمر بن الخطّاب: هلا سلبته يا علي درعه، فإنّه ليس في العرب درع مثلها؟
فقال(عليه السلام): «إنّي استحييت أن أكشف سوأت ابن عمّي».